. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . S

سنين. قال ابن الصلاح: [1] "وعلى هذا استقر العمل بين أهل الحديث"، واحتجوا بما رواه البخاري عن محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي صلي الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين. "

قال النووي وابن الصلاح [2] "والصواب اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزاً صحيح السماع، وإن لم يبلغ خمساً، وإلا فلا". وهذا ظاهر. ولا حجة فيما احتجوا به من رواية محمود بن الربيع، لأن الناس يختلفون في قوة الذاكرة،

ولعل غير محمود بن الربيع لا يذكر ما حصل له وهو ابن عشر سنين، وأيضا فان ذكره مجة وهو ابن خمس سنين لا يدل علي أنه يذكر كُلَّ ما رأي أو سمع، والحق أن العبرة في هذا بأن يميز الصبي ما يراه ويسمعه، وأن يفهم الخطاب ويرد الجواب. وعلى هذا يحمل ما روي عن موسى بن هارون الحمّال، فإنه سئل: "متى يسمع الصبي الحديث؟ " فقال "إذا فرّق بين البقرة والحمار". وكذلك ما روي عن أحمد بن حنبل فإنه سئل عن ذلك؟ فقال "إذا عقل وضبط"، فذُكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنه؟ فأنكر قوله هذا وقال: بئس القول! فكيف يصنع بسفيان ووكيع ونحوهما [3]؟ ! "

هذا في السماع والرواية. وأما كتابة الحديث وضبطه، فإنه لا اختصاص لهما بزمن معين، بل العبرة فيهما باستعداده وتأهُّله لذلك، وذهب السيوطي إلى أن تقديم الإشتغال بالفقه على كتابة الحديث أسدّ وأحسن، وهو كما قال في تعلم مبادئ الفقه، لا في التوسع فيه فإن الإشتغال بالحديث والتوسع فيه - بعد تعلم مبادئ الفقه - يقوي ملكة التفقه في الكتاب والسنة في طالب العلم ويضعه على الجادة المستقيمة في استنباط الأحكام منهما، وينزع من قلبه التعصب للأراء والأهواء. وعندي أنه ينبغي لطالب العلم المشتغل بالحديث أن يكثر من درس الأدب واللغة، حتى يحسن فقه الحديث وهو كلام أفصح العرب وأقومهم لسانا - صلي الله عليه وسلم. [شاكر]

_____

[1] المقدمة ص 143

[2] المقدمة ص 315، والتقريب (1/ 416 - التدريب).

[3] انظر مسائل عبد الله بن أحمد عن أبيه (ص 446)، وطبقات الحنابلة 1/ 182.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015