48 - سلمّ الملك الكامل القدس للإمبراطور فردريك الثاني بعد صلح يافا ومجئ ما يسمى بالحملة الصليبية السادسة وقد أثارت هذه المعاهدة موجة عارمة من السخط والأسى في الرأي العام الإسلامي كله، وعند الفقهاء والعلماء بوجه خاص، وقد اعتبر المسلمون أن تسليم بيت المقدس للصليبيين بهذه السهولة يعتبر تفريطاً في حق الإسلام والمسلمين وأصبحت هذه المعاهدة وصمة عار في جبين البيت الأيوبي بصفة عامة وللملك الكامل بصفة خاصة.
49 - كانت وفاة صلاح الدين الأيوبي نهاية مرحلة تاريخية وبداية مراحلة جديدة وثمة مراحل تاريخية ترتبط فيها أمور البلاد والعباد بالشخصية الكارزمية للحاكم أو الصفوة الحاكمة وتتمثل خطورة مثل هذه المراحل في أن غياب الحاكم ذي الصفات الأخلاقية السامية، وعدم وجود خليفة له يحمل نفس صفاته، يؤدي بالضرورة إلى تدهور المشروع الذي كرّس نفسه له، أو سير الأمور في اتجاه معاكس للاتجاه الذي يسير فيه والناظر في تواريخ الأمم والشعوب يجد أن هذه الحقيقة تصدق على كافة شعوب الأرض، ولم تنج منها غير الشعوب التي تمكنت من أن تقيم المؤسسات الدستورية والقانونية.
50 - تطورت المشروعات الصليبية في الغرب الأوروبي وانتهج خلفاء صلاح الدين سياسة مهادنة إزاء الصليبيين تقوم على رد الفعل أكثر مما تقوم على المبادأة والمبادرة فقد كان لإنشغال الأيوبيين بمنازعتهم من جهة واهتمامهم بالهدنة مع الفرنج وتجديدها من جهة أخرى أثر إيجابي على الصليبيين الذين وجدوا الفرصة لإلتقاط أنفاسهم وحشد المساعدات من الغرب الأوروبي لمساعدتهم، ولم يحدث تطور عسكري أو فكر سياسي متقدم عند الأيوبيين وغابت روح الحسم العسكري التي أقامت الدولة الأيوبية، بل تلاشت وخصوصاً في عهد الكامل وتظهر بعض الملامح العسكرية التي أقامتها الممالك الأيوبية بعد صلاح الدين.