إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس، والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم فهذه الدولة مع كفرها تبقى، إذ ليس من سنته إهلاك الدولة بكفرها ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية وتظالم الناس فيما بينهم (?)، قال تعالى: "وما كان ربك ليِهُلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " (هود، آية: 117) قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسيره: إن المراد من الظلم في هذه الآية: الشرك والمعنى: أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، يعامل بعضهم على الصلاح وعدم الفساد (?)، وفي تفسير القرطبي رحمه الله قوله تعالى: "بظلم" أي بشرك وكفر "وأهلها مصلحون"، أي: فيما بينهم في تعاطي الحقوق، ومعنى الآية: إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى يضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط (?)، قال ابن تيمية رحمه الله في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: وأمور الناس إنما تستقيم مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم تقم بالعدل، لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015