قال الضياء: وكان يجلس في جامع البلد من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلا لحاجة، يُقرئ القرآن والعِلَم، فإذا فرغوا اشتغل بالصلاة فسألت الشيخ موفق الدين عنه فقال: كان من خيار أصحابنا وأعظمهم نفعاً، وأشدهم ورعاً، وأكثرهم صبراً على التعليم، وكان داعية إلى السنّة أقام بدمشق مدة يُعلمَّ الفقراء ويُقرئهم ويُطعمهم، ويتواضع لهم، وكان من أكثر الناس تواضعاً واحتقاراً لنفسه، وخوفاً من الله، ما أعلم أنني رأيتُ أشد خوفاً منه، وكان كثير الدعاء والسؤال لله، يطيل السجود والركوع، ولا يقبل ممن يعذله، ونقلت له كرامات ثم قال الضياء: لم أر أحداً أحسن صلاة منه، ولا أتّم، بخشوع وخضوع، قيل: كان يُسبح عشراً يتأنَّى فيها، وربما قضى في اليوم والليلة صلوات عدة، وكن يصوم يوماً، ويُفطر يوما، وكان إذا دعا كان القلب يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه، وكان يمضي يوم الأربعاء إلى مقابر باب الصغير عند الشهداء، فيدعو ويجتهد ساعة طويلة ومن دعائه المشهور: "اللهم اغفر لأقسانا قلباً، وأكبرنا ذنبا، وأثقلنا ظهراً، وأعظمنا جرما (?)، وكان يدعو: يا دليل الحياري دُلنَّا على طريق الصادقين، وأجعلنا من عبادك الصالحين وكان إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازاً كثيراً (?) وقال: وأما في زهده، فما أعلم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعَّرض لها، ولا نافس فيها، وما علمت أنه دخل إلى سُلطان ولا والٍ، وكان قوياً في أمر الله، ضعيفاً في بدنه لا تأخذه في الله لومة لائم، أمّاراً بالمعروف، لا يرى أحداً بشيء صلاته إلاَّ قال له وعلمَّه قال: وبلغني أنه أتى فُسّاقاً فكسر ما معهم، فضربوه حتى غُشِيَ عليه، فأراد الوالي ضربهم، فقال: إن تابوا ولازموا الصلاة، فلا تؤذهم، وهم في حل، فتابوا (?)،