فَلَبِثُوا بِذَلِكَ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِمْ , فَلَمَّا أَنْ دَارُوا إِلَى الصَّلَاةِ مُسَارَعَةً , وَانْشَرَحَتْ لَهَا صُدُورُهُمْ , أَنْزَلَ اللَّهُ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي أَيْمَانِهِمْ إِلَى مَا قَبْلَهَا , فَقَالَ {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَالَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فَلَوْ أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ , وَأَعْطُوهُ ذَلِكَ بِالْأَلْسِنَةِ , وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الزَّكَاةِ كَانَ ذَلِكَ مُزِيلًا لِمَا قَبْلَهُ , وَنَاقِضًا لِلْإِقْرَارِ وَالصَّلَاةِ , كَمَا كَانَ إِبَاءُ الصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ نَاقِضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمُصَدِّقُ لِهَذَا جِهَادُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى مَنْعِ الْعَرَبِ الزَّكَاةَ كَجِهَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الشِّرْكِ سَوَاءً , لَا فَرْقَ بَيْنَهَا فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ , وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ , وَاغْتِنَامِ الْمَالِ , فَإِنَّمَا كَانُوا مَانِعِينَ لَهَا غَيْرَ جَاحِدِينَ بِهَا ثُمَّ كَذَلِكَ كَانَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا , كُلَّمَا نَزَلَتْ شَرِيعَةٌ صَارَتْ مُضَافَةً إِلَى مَا قَبْلَهَا لَاحِقَةً بِهِ وَيَشْمَلُهَا جَمِيعًا اسْمُ الْإِيمَانِ , فَيُقَالُ لِأَهْلِهِ: مُؤْمِنُونَ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي غَلَطَ فِيهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَوْلِ , لَمَّا سَمِعُوا تَسْمِيَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ , أَوْجَبُوا لَهُمُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ بِكَمَالِهِ كَمَا غَلَطُوا فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَكَذَا وَكَذَا» وَحِينَ سَأَلَهُ الَّذِي عَلَيْهِ رَقَبَةٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015