بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ؟ وَقَدْ يَلْزَمُ أَهْلَ هَذَا الرَّأْيِ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْإِيمَانِ مُسْتَكْمِلٌ لَهُ: مِنَ التَّبَعَةِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَذَلِكَ فِيمَا قُصَّ عَلَيْنَا مِنْ نَبَأِ إِبْلِيسَ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ , فَإِنَّهُ قَالَ {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص: 74] فَجَعَلَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِكْبَارِ كَافِرًا , وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ غَيْرُ جَاحِدٍ لَهُ , أَلَا تَسْمَعُ {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] , وَقَوْلُهُ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] ؟ فَهَذَا الْآنَ مُقِرٌّ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ , وَأَثْبَتَ الْقَدَرَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ {أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف: 16] , وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ ذَلِكَ , وَلَا وَجْهَ لِهَذَا عِنْدِي , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالسُّجُودِ لَمَا كَانَ فِي عِدَادِ الْمَلَائِكَةِ , وَلَا كَانَ عَاصِيًا إِذًا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ وَيَنْبَغِي فِي هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ إِبْلِيسُ قَدْ عَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ , لِقَوْلِهِ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] وَقَوْلِهِ {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] , فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ وَكِتَابَهُ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ أَنْ يُثْبِتَ الْإِيمَانَ لِإِبْلِيسَ الْيَوْمَ؟