20 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ , عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ , قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِرَجُلٍ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً يَعْنِي: نَذْكُرُ اللَّهَ وَبِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , يَرَوْنَ أَعْمَالَ الْبِرِّ جَمِيعًا مِنَ الِازْدِيَادِ فِي الْإِسْلَامِ , لِأَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْهُ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ , مِنْهُ قَوْلُهُ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] , وَقَوْلُهُ {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] , وَمَوْضِعَانِ آخَرَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ , فَاتَّبَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ هَذِهِ الْآيَاتِ , وَتَأَوَّلُوهَا أَنَّ الزِّيَادَاتِ هِيَ الْأَعْمَالُ الزَّاكِيَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ رَأَوُا الْإِيمَانَ قَوْلًا وَلَا عَمَلَ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ قَالُوا: أَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ بِجُمَلِ الْفَرَائِضِ , مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا , وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ هَذِهِ الْجُمَلِ وَهُوَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ هِيَ خَمْسٌ , وَأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ , وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثَةٌ وَعَلَى هَذَا رَأَوْا سَائِرَ الْفَرَائِضِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ قَالُوا: أَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , وَالزِّيَادَةُ تُمَكِّنُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ -[25]- وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ قَالُوا: الزِّيَادَةُ فِي الْإِيمَانِ الِازْدِيَادُ مِنَ الْيَقِينِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ قَالُوا: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزْدَادُ أَبَدًا , وَلَكِنِ النَّاسُ يَزْدَادُونَ مِنْهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَمْ أَجِدْ لَهَا مُصَدِّقًا فِي تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ , وَلَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ , فَالتَّفْسِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُعَاذٍ حِينَ قَالَ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً , فَيُتَوَهَّمُ عَلَى مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ , وَمَبْلَغَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا إِلَّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ فَضَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعِلْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , ثُمَّ قَالَ: «يَتَقَدَّمُ الْعُلَمَاءُ بِرِتْوِهِ» ؟ هَذَا لَا يَتَأَوَّلُهُ أَحَدٌ يَعْرِفُ مُعَاذًا وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ: فَإِنَّا لَمْ نَجْدِ الْمَعْنَى فِيهِ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَهُمْ , وَذَلِكَ كَرَجُلٍ أَقَرَّ لَهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ بَيَّنَهَا , فَقَالَ: مِائَةٌ مِنْهَا فِي جِهَةِ كَذَا , وَمِائَتَانِ فِي جِهَةِ كَذَا , حَتَّى اسْتَوْعَبَ الْأَلْفَ , مَا كَانَ هَذَا يُسَمَّى زِيَادَةً , وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: تَلْخِيصٌ وَتَفْصِيلٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُلَخِّصْهَا , وَلَكِنَّهُ رَدَّدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ مَرَّاتٍ , مَا قِيلَ لَهُ زِيَادَةٌ أَيْضًا , إِنَّمَا هُوَ تَكْرِيرٌ وَإِعَادَةٌ , لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ , وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: يَزْدَادُ مِنَ الْإِيمَانِ , وَلَا يَكُونُ الْإِيمَانُ هُوَ الزِّيَادَةُ , فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ , لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ وَصَفَ مَالَهُ فَقِيلَ: هُوَ أَلْفٌ , ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ ازْدَادَ مِائَةً بَعْدَهَا , مَا كَانَ لَهُ مَعْنًى يَفْهَمُهُ النَّاسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِائَةُ هِيَ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَلْفِ , وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ , فَالْإِيمَانُ مِثْلُهَا , لَا يَزْدَادُ النَّاسُ مِنْهُ شَيْئًا , إِلَّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الزَّائِدُ فِي الْإِيمَانِ وَأَمَّا الَّذِينَ جَعَلُوا الزِّيَادَةَ ازْدِيَادَ الْيَقِينِ فَلَا مَعْنًى لَهُمْ , لِأَنَّ الْيَقِينَ مِنَ الْإِيمَانِ , فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ كُلُّهُ بِرُمَّتِهِ إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَارُ , ثُمَّ اسْتَكْمَلَهُ هَؤُلَاءِ الْمُقِرُّونَ-[26]- بِإِقْرَارِهِمْ , أَفَلَيْسَ قَدْ أَحَاطُوهُ بِالْيَقِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ فَكَيْفَ يَزْدَادُ مِنْ شَيْءٍ قَدِ اسْتُقْصِيَ وَأُحِيطَ بِهِ؟ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا نَظَرَ إِلَى النَّاسِ بِالضُّحَى حَتَّى أَحَاطَ عَلَيْهِ كُلُّهُ بِضَوْئِهِ , هَلْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْدَادَ يَقِينًا بِأَنَّهُ نَهَارٌ , وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ هَذَا يَسْتَحِيلُ وَيَخْرُجُ مِمَّا يَعْرِفُهُ النَّاسُ