وَقَالَتِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى: بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ , فَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّمَا هِيَ تَقْوَى وَبِرٌّ , وَلَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنَّا نَظَرْنَا فِي اخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ , فَوَجَدْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يُصَدِّقَانِ الطَّائِفَةَ الَّتِي جَعَلَتِ الْإِيمَانَ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا , وَيَنْفِيَانِ مَا قَالَتِ الْأُخْرَى وَالْأَصْلُ الَّذِي هُوَ حُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ اتِّبَاعُ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عُلُوًّا كَبِيرًا قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] وَإِنَّا رَدَدْنَا الْأَمْرَ إِلَى مَا ابْتَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ , فَوَجَدْنَاهُ قَدْ جَعَلَ بَدْءَ الْإِيمَانِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ عَشْرَ سِنِينَ , أَوْ بِضْعَ عَشَرَ سَنَةً , يَدْعُو إِلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ خَاصَّةً , وَلَيْسَ الْإِيمَانُ الْمُفْتَرَضُ عَلَى الْعِبَادِ يَوْمَئِذٍ سِوَاهَا , فَمَنْ أَجَابَ إِلَيْهَا كَانَ مُؤْمِنًا , لَا يَلْزَمُهُ اسْمٌ فِي الدِّينِ غَيْرُهُ , وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةٌ , وَلَا صِيَامٌ , وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ , وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّخْفِيفُ عَنِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ فِيمَا يَرْوِيهِ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ , وَرِفْقًا بِهِمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَجَفَائِهَا , وَلَوْ حَمَّلَهُمُ الْفَرَائِضَ كُلَّهَا مَعًا نَفَرَتْ مِنْهُ قُلُوبُهُمْ , وَثَقُلَتْ عَلَى أَبْدَانِهِمْ , فَجَعَلَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْأَلْسُنِ وَحْدَهَا هُوَ الْإِيمَانَ الْمُفْتَرَضَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَئِذٍ , فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ إِقَامَتَهُمْ بِمَكَّةَ كُلِّهَا , وَبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْمَدِينَةِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ فَلَمَّا أَثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَحَسُنَتْ فِيهِ رَغْبَتُهُمْ , زَادَهُمُ اللَّهُ فِي إِيمَانِهِمْ أَنْ صَرَفَ الصَّلَاةَ إِلَى الْكَعْبَةِ