وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عبّاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن، من محبة الله والخضوع له والذل له، وكمال الإنقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض وهو واحد سبحانه في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه لا خشية إلا منه، ولا ذل إلا إليه، ولا طمع إلا في رحمته، ولا إعتماد إلا عليه ولا إنقياد إلا لحكمه (?).
الله كل الخلق مفتقرون إليه، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (فاطر، آية: 15).
قد يعطي الإنسان أموالاً وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباً عظيماً أو مركزاً كريماً أو زعامة عريضة، أو رياسة مكينة، قد يحف به الخدم ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، ويرضخ له الناس وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب ولكنه مع ذلك فقير إلى الله محتاج إلى مولاه (?).
الله، أسعد عباده بكتابه، وأبهج قلوبهم بكلامهم وأنار بصائرهم بقراءته، أكثرهم قراءة له من أشدّهم تعظيماً له، وأقربهم منزلة منه، أقربهم من كلامه، أقرؤهم لوحيه كلام معجز، وقرآن مبهج، وحبل متين، ونور مبين ينطق بالعظمة ويهتف بالإبداع، ويصدح بالألوهية يشهد للربوبية (?).
قال تعالى: " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " (الزمر، آية: 23).