الله جلّ وعلا الذي جمع في هذا الوجود بين الكمال والجمال وعنصر الجمال في هذا الكون مقصوداً قصداً، جمال مقصود وكمال بلا حدود، فرؤية الجمال على حقيقته لا تكون إلا حينما ينظر القلب بنور الله، فتتكشف له الأشياء عن جوهرها الجميلة وروائعها البديعة، ويتذكر الله كلما وقعت عينه أو حسه على شيء بديع، أو منظر حسن، فيحسن بالصلة ويشعر بالترابط بين المبدع وما أبدع والجميل وما جمّل والمحسن وما أحسن، ويرى من وراء هذا الجمال جمال الله وجلاله وكماله والقرآن الكريم يوقظ القلوب لتتبع مواضع الحسن وآيات الجمال في هذا الكون البديع " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " (المؤمنون، آية: 14)، " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " (السجدة، آية: 7)، وقال تعالى: " أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ " (ق، آية: 6).
وتأمل كلمة " أَفَلَمْ يَنظُرُوا " إنه استفهام استنكاري لأولئك الذين لهم أعين لا يبصرون بها، وقلوب لا يفقهون بها، ولا يرون ذلك الجمال الساحر، والإبداع الأخاذ والحسن الجذّاب الذي يدل على رب العباد، ولذلك يكثر في القرآن الكريم الأمر بالنظر لأخذ العبرة، وللإحساس بالجمال:
قال تعالى: " أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ " (الأعراف، آية: 185).
وقال تعالى: " فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (الروم، آية: 50).
وقال تعالى: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (العنكبوت، آية: 20).