المبحث الثاني
إثبات وجود الخالق
رغم أنه لا يوجد في القرآن مناقشة صريحة لمنكري الخالق إلا أن الإيمان بوجود خالق لهذا الكون قضية ضرورية لا مساغ للعقل في إنكارها، فهي ليست قضية نظرية تحتاج إلى دليل وبرهان، ذلك لأن دلالة الأثر على المؤثر يدركها العقل بداهة والعقل لا يمكن أن يتصور أثراً من غير مؤثر، أي أثر ولو كان أثراً تافهاً فكيف بهذا الكون العظيم؟ ولذلك لم يناقش القرآن هذه القضية، حتى حينما أورد إنكار فرعون لرب العالمين يوم أن قال: " وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ " (الشعراء، آية: 23)، و " مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي " (القصص، آية: 38)، " يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا " (غافر، آية: 36، 37). فكان موسى عليه السلام لا يعير اهتماماً لهذه الإنكارات وتعامل مع فرعون على أساس أنه مؤمن بوجود الخالق فتراه يقول له مثلاً: " قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ ا لسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا " (الإسراء، آية: 102). وقد عزا القرآن الكريم هذا الإنكا ر والتكبر والعناد، فقال: " ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ " (المؤمنون، آية: 45 ـ 47)، وأوضح أكثر فقال: " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ... " (النمل، آية: 14).