من مقاصد القرآن الكريم، إبطال عبودية البشر للبشر وتعميم الحرية، لكل الناس ومن قواعد الفقه قول الفقهاء: الشارع متشوف للحرية، فذلك استقراؤه من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية، ولكن دأب الشريعة في رعي المصالح المشتركة وحفظ النظام العام وقف بها عن إبطال العبودية بوجه عام وتعويضها بالحرية، وإطلاق العبيد من ربقة العبودية، وإبطال أسباب تجدد العبودية، مع أن ذلك يخدم مقصدها، كان ذلك التوقف من أجل أن نظام المجتمعات في كل قطر قائم على نظام الرق، فكان العبيد عمال في الحقول، وخدمة في المنازل والغروس، ورعاة في الانعام وكانت الإماء حلائل لسادتهن، وخادمات في منازلهم، ودايات لأبنائهم، فكان الرقيق "لذلك" من أكبر الجماعات التي أقيم عليها النظام العائلي والإقتصادي "والإجتماعي" لدى الأمم حين طرقتهم دعوة الإسلام، فلو جاء الإسلام بقلب ذلك النظام رأساً على عقب لا نفرط عقدُ نظام المدينة انفراطاً تعسر معه عودة انتظامه، فهذا موجب إحجام الشريعة عن إبطال الرق الموجود، وأما إحجامها عن إبطال تجدد سبب الاسترقاق الذي هو الأسر في الحروب، فلأن الأمم التي سبقت ظهور الإسلام قد تمتعت باسترقاق من وقع في أسرها وخضع إلى قوتها وكان من أكبر مقاصد سياسة الإسلام إيقاف غلواء تلك الأمم والانتصاف للضعفاء من الأقوياء، وذلك ببسط جناح سلطة الإسلام على العالم وبانتشار اتباعه في الأقطار، فلو أن الأمم التي استقرت لها سيادة العالم من قبل أمنت عواقب الحروب الإسلامية ـ وأخطر تلك العواقب في نفوس الأمم السائدة الأسر والاستعباد والسبيُ ـ لما ترددت الأمم من العرب وغيرهم في التصميم على رفض إجابة الدعوة الإسلامية اتكالاً على الكثرة والقوة، وأمناً من وصمة الأسر والاستعباد (?)،