إن الذي لا ريب فيه: إن صلاح الأمم والمجتمعات إنما هو بصلاح أفرادها وصلاح الأفراد إنما هو بصلاح أنفسهم التي بين جنوبهم، وبعبارة أخرى بتزكية هذه الأنفس حتى تنتقل من "النفس الأمارة بالسوء" إلى "النفس اللوامة"، ثم "النفس المطمئنة"، وهذا يحتاج إلى جهاد لكنه جهاد غير ضائع، كما قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت، آية: 69) (?).
1 ـ لقد بين القرآن أن المهمة الأولى للإنسان أن يقوم بعبادة الله تعالى: " وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الزاريات، آية: 56).
فالله تعالى هو خالق الإنسان ورازقه، ومدبر أمره، والمنعم عليه بنعم وفيرة لا يمكن للإنسان إحصاؤها، قال تعالى: " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا" (إبراهيم، آية: 34).
ومن هذه النعم، نعمة الإيجاد، ونعمة الرزق، ونعمة العقل، ونعمة الإرادة، ونعمة القدرة، ونعمة البيان "النطقي" و"الخطي" ونعمة تسخير الكون للإنسان، وعدد القرآن جملاً من هذه النعم الوفيرة السابغة في عدد من سور القرآن، أظهرها في سورة النحل التي تسمى "سورة النعم"، ومن حق الخالق الرازق المنعم أن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، ولا يتأتى ذلك إلا بالعبادة الخالصة له، فالعبادة من حقه وحده جل وعلا، ولذا قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة، آية: 21 ـ 22).