والمراد لغيره، قد لا يكون مقصود للمريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، مراد له من حيث إفضاؤه وإيصاله إلى مراده، فاجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاؤه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، كقطع المسافة الشاقة، إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه (?).

فهوسبحانه يكره الشئ، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إلى أمر هو أحبُّ إليه من فوته.

ومن ذلك: أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات، وهو سبب لشقاء الكثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب تبارك وتعالى، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه وجودها إليه من عدمها:

منها: أنه تظهر للعباد قدرة الرب على خلق المتضادات المتقابلات.

ومنها: ظهور آثار أسمائه القهرية، مثل القهار، المنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، والخافض، والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمال، لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء.

ومنها: ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء، لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: "لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجأ بقوم يذنبون، ويستغفرون، فيغفر لهم" (?).

ومنها: ظهور أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء في مواضعها، فلا يضع الشئ في غير موضعه، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على إنتهائها إليه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015