فهو الذي أراد إيمان المؤمنين، وهو الذي أراد كفر الكافرين، وكل ذلك في علمه السابق، ولا يمكن لأحد أن يخرج عن علمه، وعلمه يستلزم ثبوت قدرته، وإذا كان قد علم أن أبا لهب سيكفر، فهذا معناه أنه لن يستطيع أن يخرج عن علمه ويؤمن، وهذا دليل أن الله تعالى سيحول بقدرته بينه وبين الإيمان، فلن يقدر عليه، ولن يقدر أبو لهب على خلاف ذلك، قال تعالى: " وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال، آية: 24). وهذا ليس من باب تكليف ما لا يطاق، وإنما هذا من باب العقوبة: وهي نوع من الخذلان لمن زاغ عن صراط الله المستقيم، وأما طاقة الأسباب فهي مقدورة له، ولكن الله تعالى لم يوفقه ولم يقدره على بلوغ غاياتها، فما آمن من آمن إلا بفضل الله تعالى ورحمته، وما كفر من كفر كرهاً عنه إنما كان ذلك بخذلان الله تعالى له: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" (يونس، آية: 99)، وهو سبحانه وتعالى خالق الخير، كما هو خالق الشر، لا إله غيره ولا ربٍ سواه، قال تعالى: "اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" (الزمر، آية: 22)، وقال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّافِي الأَرْضِ جَمِيعاً" (البقرة، آية: 29) (?).