الايمان بالقدر (صفحة 336)

فثقته صلى الله عليه وسلم واطمئنانه وسكينته وأمله في الخلاص، إنما كان ذلك بسبب تلك المعية الخاصة المتأنية من اعتماده على الله لا بسبب الاختفاء بالغار، وفي معركة بدر بعد أن نظم صلى الله عليه وسلم الجيش وباشر الاسباب المادية للمعركة رجع إلى العريش المنصوب له يدعو ربه ويكثر من الدعاء لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن النصر بيد الله والاعتماد في تحصيله يجب أن يكون على الله لا على الأسباب التي باشرها وإن كان لابد من مباشرتها، وهذا هو التوكل الصحيح الذي هو من ثمرات الإيمان الصحيح بالقدر، ومن ثمرات التوكل كفاية الله "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق، آية: 3) (?).

15ـ الاعتراف بفضل الله:

والإيمان بالقدر يجعل موقف صاحبه عند فعل الحسنات موقفاً صحيحاً سليماً تترتب عليه طهارة قلبه من أرجاس كثيرة وبالتالي يستقيم سلوكه وتزكوا اخلاقه، وتفصيل ذلك أن صاحب الإيمان بالقدر يشاهد القدر ويستحضره في ذهنه عند فعل الحسنات وعمل الصالحات وهذه المشاهدة تثمر في نفسه الاعتراف بأن ما صدر منه وهو بمحض فضل الله عليه ليس له فيه شيء، وهذا يؤدي بدوره إلى قمع نوازع الكبر والغرور والعجب بنفسه والمن على الناس ونحو ذلك من الأقذار القلبية، لأن هذه الأقذار إنما تكون في الإنسان لاعتقاده أن فيه من معاني الامتياز على غيره ما يدعوه إلى التكبر عليهم والعجب بنفسه والغرور ونحو ذلك، سواء كانت هذه المعاني أعمالاً صالحة أو عبادة أو فعل حسنات أو قوة أو علماً أو سلطاناً أو مالاً أو كثرة اتباع ونحو ذلك، فإذا شاهد القدر عند فعله الحسنات، أو عند حصول شيء مما ذكرنا في يده، وعلم أن ذلك كله من عند الله وحده وما حصل على يديه هو محض فضل الله عليه، زال منه العجب والكبر والغرور والمنة على الله وعلى الناس، وبالتالي تجره هذه المشاهدة وما يترتب عليها إلى حمد الله وشكره وهكذا يفعل المؤمنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015