الايمان بالقدر (صفحة 304)

أ ـ فهناك استطاعة للعبد بمعنى الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الألآت، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، فهذه لا يجب أن تقارن الفعل، بل قد تكون قبله متقدمة عليه، وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين، ومثال هذه الاستطاعة قوله تعالى:"وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (آل عمران، آية: 97)، فهذه الاستطاعة قبل الفعل، ولو لم تكن إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولا عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام، بل قبل فراغه، ومن أمثلتها قوله تعالى:"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن، آية: 16). فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة، ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط، إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة (?)، وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء، وهي الغالبة في عرف الناس (?).

ب ـ وهناك الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له، ومن أمثلتها قوله تعالى:"مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ" (هود، آية: 20).

وقوله:"وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا" (الكهف، آية: 100 ـ 101).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015