ومنها: أن حمده سبحانه تام كامل من جميع الوجوه، فهو محمود على عدله ومنعه وخفضه وانتقامه وإهانته، كما هو محمود على فضله وعطائه ورفعه وإكرامه، فلله الحمد التام الكامل على هذا وهذا، وهو يحمد نفسه على ذلك كله، ويحمده عليه وملائكته ورسله وأولياؤه، ويحمده عليه أهل الموقف جميعهم، وما كان من لوازم كمال حمده وتمامه فله في خلقه وإيجاده الحكمة التامة كماله عليه الحمد التام (?)، فتبارك الله رب العالمين وأحكم الحاكمين، ذو الحكمة البالغة والنعمة السابغة، الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته وما ذكرنا من هذه الحكم قطرة من بحر، وإلا فعقول البشر أعجز وأضعف وأقصر من تحيط بكمال الله وحكمته في خلقه لكل شيء (?)، فإن كان الله تبارك وتعالى قد خلق إبليس لهذه الحكم التي وقفنا على بعضها، فلا شك أن خلق الله لغير إبليس ـ وهو رأس الشر ـ لحكم كثيرة من باب أولى، فالله تبارك وتعالى لم يُطلع خلقه إلا على بعض الحكم (?).
ويكفي العاقل: أن يعلم أن الله عز وجل عليم وحكيم، بهرت الألباب حكمته، ووسعت كل شيء رحمته، وأحاط بكل شيء علمه، وأحصاه لوحه وقلمه، وأن الله في قدره سراً مصوناً وعلماً، مخزوناً احترز به دون جميع خلقه، واستأثر به على جميع بريته وإنما يصل أهل العلم به وأرباب ولايته إلى جمل من ذلك، وقد لا يؤذن لهم في ذكرها، وربما كلموا الناس في ذلك على قدر عقولهم وقد سأل موسى وعيسى وعزير ربنا تبارك وتعالى عن شيء من سر القدر، وأنه لو شاء أن يطاع لأطيع، وأنه مع ذلك يعصى فأخبرهم سبحانه أن هذا سره، وفي هذا المقام تاهت عقول كثير من الخلائق (?).