وقد بينت السنة المطهرة تطبيق حد القصاص على الوجه الأكمل، وبما يحقق القاعدة التي تتحدث عنها، وبهذا يتبين لنا المصالح الجمة التي بنيت على مشروعية القصاص، وإقامته في المجتمع، ومن تلك المصالح زجر المعتدي ومن يحاول الاعتداء ليرتدع قبل اقترافه عمله، ومنها جبر خاطر المعتدي عليه، ومنها التفادي من ترصد المعتدى عليهم للانتقام من المعتدين أو من أقوامهم، فإبطال الحكم بالقصاص يعطل هذه المصالح ويقوض بنيان المجتمع، ويشيع الفوضى في الدولة، وينخر في قواها المتمثلة في أفرادها وطوئفها (?).
وبهذا المعنى أيضاً جاء حد الحرابة والإفساد في قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا" (المائدة، آية: 33"، وهي شاهد لما نحن فيه على تفسير ابن عباس في رواية عطاء، وهو مذهب جمهور العلماء لأن كلمة "أَوْ" هنا ليست للتخيير، بل هي للتقسيم أو بمعنى آخر: لبيان أن الأحكام تختلف باختلاف الجنايات، فمن اقتصر على القتل قُتل، ومن قتل وأخذ المال، قُتل وصُلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطع يديه ورجله من خلاف، ومن أخاف السبل ولم يأخذ المال نُفي من الأرض (?).