إن المشاهدة لتأثير الدعاء لمن أكبر الأدلة وأصدقها برهاناً وأقواها حجة، فنحن رأينا وشاهدنا في أنفسنا ومن حولنا تأثير الدعاء، فمن منا لا يقع في شدة وكرب وضيق ثم يستغيث بربه فلا يرى أثر ذلك؟ فنحن نشاهد في حياتنا وأيامنا القصيرة وقائع لنا ولغيرنا يحصل فيها إجابة الدعاء بعد يأس وقنوط من المخلوقات، وبعد انقطاع السبل والحيل فهذا يكفي وحده للدلالة. والحق الذي لا مرية فيه أن الدعاء سبب من الأسباب وأن له تأثيراً في جلب المنافع ودفع المضار، كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة، وأنه لا منافاة بين القدر والدعاء، فالدعاء من جملة ما سبق به القدر وتضمنه القدر السابق (?).
ولاشك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي حرك العبد إلى الدعاء ويسره له وهو الذي قذف في قلب العبد الحركة إلى الدعاء وألهمه التضرع والابتهال والانطراح بين يديه ووفقه لذلك وصرف عنه الموانع من استكبار، وكسل وغير ذلك، فهذا الخير منه ولولا الله لما دعا العبد.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء، ولكن إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه (?).
فإذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به وجعل استعانته ودعاءه سبباً للخير الذي قضاه له (?).