الدعاء مثل سائر الأسباب، كالتوكل والصدقة ... سبب لجلب المنافع ودفع المضار (?)، ثم الدعاء ـ مع ثبوت كونه سبباً ـ داخل في القضاء، ولا خرج عن القضاء، فإن الدعاء من جملة ما سبق به القضاء، لأن الله سبحانه أحاط بكل شئ علماً، وقدر كل شئ تقديراً، ولا يمكن أن يخرج شئ عن قضائه، فلهذا الدعاء نفسه داخل القضاء، إذا قدر الدعاء وأنه سبب لكذا فلا بد أن يدعو الرجل وأن يتسبب ذلك فيما جعله الله سبباً، فالدعاء سبب لجلب النفع، كما أنه سبب لدفع البلاء، فإذا أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، وليس شئ من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء والذكر، والاستغفار والتوبة، والاحسان بالصدقة والعتاقة، فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه، كما في الحديث: "إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان (?) "، وهذا كما لو جاء عدو فإنه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد له، وإذا هجم البرد يدفع بإتخاذ الدفء، فكذلك الأعمال الصالحة والدعاء (?). ويدل على دفاع العدو بالدعاء مع الجهاد قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "هل تنصرون إلا بضعفائكم"، ولفظ النسائي: "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم (?) "، والحاصل إن من جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاء داخل تحت القضاء وليس خارجاً عنه (?).