وأما على مستوى السنة القولية ـ في هذا الصدد ـ نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" (?)، في الوقت الذي ثبت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم (?). وظاهر الحديثين يدل على التنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب، إلا أنه عند التحقيق نجد أنه صلى لله عليه وسلم أكل مع المجذوم ليبين أن الله هو الذي يمرض ويشفي، وأنه لا شيء يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من إضافة إلى الله، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم إعتقادهم ذلك، في حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاقتراب من المجذوم، ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله تعالى العادة بأنها تقتضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت، وفي ذلك فسحة لمقام التوكل (?) على الله، وهذا يبين أن لكل حالة مقامها التي شرعها الله عز وجل لها. ومن ذلك ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بقوم فقال: من أنتم؟ قالوا: المتوكلون. قال: أنتم المتواكلون، إنما التوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل (?).
إن الله تعالى قدر الأشياء بأسبابها، فالقدر يتعلق تعلقاً واحداً بالسبب وبالمسبب معاً، أي أن هذا المسبب سيقع بهذا السبب، ومن الأدلة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق للجنة أهلاً خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق للنار أهلاً خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وهم بعمل أهل النار يعملون (?).