ـ هم قوم اتكاليون كسالى: لا يريدون أن يبذلوا جهداً ولا أن يقوموا بعمل، ولذلك أحالوا المشكلة على ذي القرنين، وأوكلوا إليها حقها، أما هم فمستعدون لدفع المال له (?).لقد كان فقه ذي القرنين في التعامل مع الشعوب المستضعفة هو السعي الجاد لنقلها من الجهل والتخلف والكسل والضعف إلى العلم والتقدم والنشاط والقوة، فكان يدير العمل بروح الجماعة ويشترك بنفسه مع إشراك غيره، ويدل على ذلك ضمير المتكلم الذي يتقابل في تسلسل متتابع رفيع مع ضمير المخاطب في النظم القرآني الكريم مما يشير إلى روح الحماسة والحيوية والتعاون المشترك (?)، قال تعالى:"مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" (الكهف، آية: 95 ـ 96).
لقد كان ذو القرنين حريصاً على مصلحة الناس، ناصحاً لهم فيما يعود عليهم بالنفع، ولهذا طلب منهم المعونة الجسدية، لما في ذلك من تنشيط لهم ورفع لمعنوياتهم (?)، ومن نصحه وإخلاصه لهم، أنه بذل ما في الوسع والخدمة أكثر مما كانوا يطلبون، فهم طلبوا منه أن يجعل بينهم وبين القوم المفسدين سداً، أما هو فقد وعد بأن يجعل بينهم ردماً، والردم هو الحاجز الحصين، والحجاب المتين وهو أكبر من السد وأوثق، فوعدهم بفوق ما يرجعون (?).
لقد عفّ ذو القرنين عن أموال المستضعفين وشرع في تعليمهم النشاط والعمل، والكسب، والسعي، فقال لهم:"فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا" (الكهف، آية: 95).