ـ كان واقعياً في قياسه للأمور وتدبيره لها فقد قدّر حجم الخطر، وقدّر ما يحتاج إليه من علاج، فلم يجعل السور من الحجارة، فضلاً عن الطين واللبن، حتى لا يعود منهاراً لأدنى عارض، أو في أول هجوم، ولهذا باءت محاولات القوم المفسدين بالفشل عندما حاولوا التغلب على ما قهرهم به ذو القرنين:"فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" (الكهف، آية: 97)، أي لم يتمكنوا من اعتلائه لارتفاعه وملامسته، وما استطاعوا أن يثقبوه لصلابته وثخانته (?).
لقد كان ذو القرنين على علم باخبار الغيب التي جاءت بها الشرائع، ومع ذلك لم يتخذ من الأقدار تكئة لتبرير القعود والهوان، فقد بنى السد وبذل فيه الجهد، مع علمه بأن له أجلاً سوف ينهدم فيه لا يعلمه إلا الله (?).
س ـ فقهه في إحياء الشعوب:
إن حركة ذي القرنين الدعوية والجهادية جعلته يحتك بالشعوب والأمم وتكلم القرآن الكريم عن رحلاته:
ـ الرحلة الأولى:
لم يحدد القرآن الكريم نقطة الانطلاق فيها وحدد النهاية إلى مغرب الشمس ووجد عندها قوماً، فدعاهم إلى الله تعالى، وسار فيهم بسيرة العدل والإصلاح.
قال تعالى:"أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا" (الكهف، آية: 87 ـ 88).