إن إعداد القوة يستدعي إنفاقاً، وقد تكفل الله للمنفقين في سبيله بإخلاف ما أنفقوه والإثابة عليه، قال تعالى: "وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" (الأنفال، آية: 60)، وقد جاء التحذير من عدم الإنفاق في سبيل الله، مع بيان أن ذلك سبب للأهلاك والمذلة، وذلك في قوله تعالى: "وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة، آية: 195)، أي: إذ لم تبذلوا في سبيل الله وتأييد دينه كل ما تستطيعون من مال واستعداد فقد أهلكتم أنفسكم، ففي الآية: النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك (?)، وقد بين أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه سبب نزول هذه الآية، فعن أسلم بن عمران قال: كنا بمدينة الروم "القسطنطينية" فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم، فحمل رجل من المسلمين على صف للروم حتى دخل فيه فصاح الناس وقالوا: سبحان، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل: وإنما أنزلت فينا معاشر الأنصار، لما أعزَّ الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرَّاً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا: " وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة، آية: 195)، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو (?).