الايمان بالقدر (صفحة 180)

فعمر وأبو عبيدة يعلمان أنّ القدر علم الله السابق بما يحدث غير أن عمر كان يرى أنّ قدر الله لا دخل له في موضوع ربط الأسباب بالمسببات، فالذهاب إلى الشام مع وجود الطاعون يتسبب عنه الموت والرجوع أخذ بالأسباب للنجاة من الطاعون، ولهذا أنكر عمر على أبي عبيدة أن يعترض عليه قائلاً له: لو غيرك يا أباعبيدة، ولم يكتف بذلك، بل شرح رأيه بأن الذهاب إلى الشام ذهاب بقدر الله، والرجوع إلى المدينة رجوع بقدر الله، أي بعلم الله، مما يدل على أن القدر لا يصح أن يربط بالإقدام على الأعمال أو الإحجام عنها، ولا يصح أن يترك الأخذ بالأسباب بحجة القدر (?).

ولهذا يذهب ابن القيم إلى: أن الدين هو إثبات الأسباب والوقوف معها والنظر إليها، وأنه لا دين إلا بذلك كما لا حقيقة إلا به، فالحقيقة والشريعة مبناهما على إثباتها "أي الأسباب" لا على محوها، ولا ننكر الوقوف معها، فإن الوقوف معها فرض على كل مسلم، لا يتم إسلامه وإيمانه إلآ بذلك "الإيمان"، وبالأسباب عرف الله وبها عبد الله، وبها أطيع الله وبها تقرب إليه المتقربون، وبه نال أولياؤه رضاه، وجواره في جنته، وبها نصر حزبه ودينه، وأقاموا دعوته، وبها أرسل رسله وشرع شرائعه، وبها إنقسم الناس إلى سعيد وشقي، ومهتد وغوي، فالوقوف معها، والالتفاف إليها، والنظر إليها، هو الواجب شرعاً، كما هو الواقع قدراً (?).

إن قدر اللله حق وقدر الله نافذ، ولكنه ينفذ من خلال السنن التي أقام الله عليها نظام الكون، من خلال الأسباب التي خلقها سبحانه وشرعها، وليستقيم عليها أمر الوجود ونظام التكليف، فهذه السنن والأسباب جزء لا يتجزأ من قدر الله الشامل المحيط (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015