فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة، ولو خضع الكون للأهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس، وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى والحب والبغض والرغبة والرهبة والنشاط والخمول وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات، وبناء الكون وبما فيه الإنسان يحتاج إلى الثبات والاستقرار والاطراد على قاعدة ثابتة، ونهج مرسوم لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد (?).
ـ قال تعالى:" ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا" (الكهف، آية: 106).
ـ وقال تعالى:" وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا" (الفرقان، آية: 41).
ـ وقال تعالى:" إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ" (المؤمنون، آية: 109 ـ 110).
وهكذا فإن الاستهزاء بآيات الله ورسله والمؤمنون، يشغل صاحبه عن التدبر والتفكر في دلائل الإيمان التي في الوجود، وفي دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشغله أيضاً عن الاعتبار بما أثر الإيمان في نفوس أصحابه وحالهم وسلوكهم وإن ذلك الاستهزاء أيضاً يباعد بينه وبين صاحبه عن كل الدلائل والبينات ولا شك أن ذلك كله يسلمه إلى الضلال والغي (?).