إلا اللّه. ويقرر أن ما أوتيه الإنسان من العلم قليل .. وهذا القليل إنما آتاه اللّه له بقدر ما يعلم هو - سبحانه - من طاقته ومن حاجته. وأن الناس لا يعلمون - فيما وراء العلم الذي أعطاهم اللّه إياه - إلا ظنا، وأن الظن لا يغني من الحق شيئا .. كما يقرر - سبحانه - أن اللّه قد خلق هذا الكون، وجعل له سننا لا تتبدل وأنه علم الإنسان أن يبحث عن هذه السنن ويدرك بعضها ويتعامل معها - في حدود طاقته وحاجته - وأنه سيكشف له من هذه السنن في الأنفس والآفاق ما يزيده يقينا وتأكدا أن الذي جاءه من عند ربه هو الحق .. دون أن يخل هذا الكشف عن سنن اللّه التي لا تبديل لها، بحقيقة «الغيب» المجهول للإنسان، والذي سيظل كذلك مجهولا، ولا بحقيقة طلاقة مشيئة اللّه وحدوث كل شيء بقدر غيبي خاص من اللّه، ينشىء هذا الحدث ويبرزه للوجود .. في تناسق تام في العقيدة الإسلامية، وفي تصور المسلم الناشئ من حقائق العقيدة ..
فهذه الحقائق بجملتها - على هذا النحو المتعدد الجوانب المتناسق المتكامل - تحتاج منا هنا - في الظلال - إلى كلمة نحاول بقدر الإمكان أن تكون مجملة، وألا تخرج عن حدود المنهج الذي اتبعناه في الظلال أيضا (?).
إن اللّه سبحانه يصف المؤمنين في مواضع كثيرة من القرآن بأنهم الذين يؤمنون بالغيب فيجعل هذه الصفة قاعدة من قواعد الإيمان الأساسية: «الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .. (البقرة:1 - 5).
والإيمان باللّه - سبحانه - هو إيمان بالغيب. فذات اللّه - سبحانه - غيب بالقياس إلى البشر فإذا آمنوا به فإنما يؤمنون بغيب، يجدون آثار فعله، ولا يدركون ذاته، ولا كيفيات أفعاله.