العقل البشري بالبديهية العقلية الأولى، وهي أن المحدود لا يدرك المطلق، لزمه - احتراما لمنطقه ذاته - أن يسلم بأن إدراكه للمطلق مستحيل و. ن عدم إدراكه للمجهول لا ينفي وجوده في ضمير الغيب المكنون وأن عليه أن يكل الغيب إلى طاقة أخرى غير طاقة العقل وأن يتلقى العلم في شأنه من العليم الخبير الذي يحيط بالظاهر والباطن، والغيب والشهادة .. وهذا الاحترام لمنطق العقل في هذا الشأن هو الذي يتحلى به المؤمنون، وهو الصفة الأولى من صفات المتقين.

لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمة. ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان، كجماعة الماديين في كل زمان، يريدون أن يعودوا بالإنسان القهقرى .. إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس! ويسمون هذا «تقدمية» وهو النكسة التي وفى اللّه المؤمنين إياها، فجعل صفتهم المميزة، صفة: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» والحمد للّه على نعمائه، والنكسة للمنتكسين والمرتكسين! «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ» .. فيتجهون بالعبادة للّه وحده، ويرتفعون بهذا عن عبادة العباد، وعبادة الأشياء.

يتجهون إلى القوة المطلقة بغير حدود، ويحنون جباههم للّه لا للعبيد والقلب الذي يسجد للّه حقا، ويتصل به على مدار الليل والنهار، يستشعر أنه موصول السبب بواجب الوجود، ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض، ويحس أنه أقوى من المخاليق لأنه موصول بخالق المخاليق .. وهذا كله مصدر قوة للضمير، كما أنه مصدر تحرج وتقوى، وعامل هام من عوامل تربية الشخصية، وجعلها ربانية التصور، ربانية الشعور، ربانية السلوك." (?)

" نقف لنقول كلمة عن «الغيب» و «مفاتحه» واختصاص اللّه - سبحانه - «بالعلم» بها .. ذلك أن حقيقة الغيب من «مقومات التصور الإسلامي» الأساسية لأنها من مقومات العقيدة الإسلامية الأساسية ومن قواعد «الإيمان» الرئيسية .. وذلك أن كلمات «الغيب» و «الغيبية» تلاك في هذه الأيام كثيرا - بعد ظهور المذهب المادي - وتوضع في مقابل «العلم» و «العلمية» .. والقرآن الكريم يقرر أن هناك «غيبا» لا يعلم «مفاتحه»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015