إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية. فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة ..
هذه واحدة .. والأخرى أن النفس التي تشكر اللّه على نعمته، تراقبه في التصرف بهذه النعمة. بلا بطر، وبلا استعلاء على الخلق، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد.
وهذه وتلك مما يزكي النفس، ويدفعها للعمل الصالح، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ويرضي الناس عنها وعن صاحبها، فيكونون له عونا ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان. إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة. وإن كان وعد اللّه بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن، أدرك الأسباب أولم يدركها، فهو حق واقع لأنه وعد اللّه.
والكفر بنعمة اللّه قد يكون بعدم شكرها. أو بإنكار أن اللّه واهبها، ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم اللّه! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد .. وكله كفر بنعمة اللّه .. والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة. عينا بذهابها. أو سحق آثارها في الشعور. فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين! وقد يكون عذابا مؤجلا إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء اللّه. ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة اللّه لا يمضي بلا جزاء.
ذلك الشكر لا تعود على اللّه عائدته. وهذا الكفر لا يرجع على اللّه أثره. فاللّه غني بذاته محمود بذاته، لا بحمد الناس وشكرهم على عطاياه. (?)