قال ابن عبد البر:" وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَقَدْ حَمَلَ قَوْمٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ إِنَّ الْأَكْلَ بِالشِّمَالِ أَكْلٌ يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ كَمَا قَالَ فِي الْخَمْرَةِ زِينَةُ الشَّيْطَانِ وَفِي الِاقْتِعَاطِ بِالْعِمَامَةِ عِمَامَةُ الشَّيْطَانِ أَيْ إِنَّ الْخَمْرَةَ وَمِثْلَ تِلْكَ الْعِمَّةِ يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ وَيَدْعُو إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ يَدْعُو إِلَى الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَيُزَيِّنُهُ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ إِذَا أَمْكَنَتْ فِيهِ الْحَقِيقَةُ بِوَجْهٍ مَا وَقَالَ آخَرُونَ أَكْلُ الشَّيْطَانِ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ تَشَمُّمٌ وَاسْتِرْوَاحٌ لَا مَضْغٌ وَلَا بَلْعٌ وَإِنَّمَا الْمَضْغُ وَالْبَلْعُ لِذَوِي الْجُثَثِ وَيَكُونُ اسْتِرْوَاحُهُ وَشَمُّهُ مِنْ جِهَةِ شِمَالِهِ وَيَكُونُ بِذَلِكَ مُشَارِكًا فِي الْمَالِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ قَالُوا الْإِنْفَاقُ فِي الْحَرَامِ وَالْأَوْلَادِ قَالُوا الزِّنَا وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ مِنَ الْجِنِّ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ هِيَ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ طَعَامَهُمْ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُغْسَلْ مِنَ الْأَيْدِي وَالصِّحَافِ وَشَرَابُهُمُ الْجَدَفُ وَهِيَ الرغوة والزبد وهذا أَشْيَاءُ لَا تُدْرَكُ بِعَقْلٍ وَلَا تُقَاسُ عَلَى أَصْلٍ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيمُ لِمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِنَا وَهُوَ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ قَوْلُهُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجِنُّ كُلُّهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَعْضُهُمْ جِنْسٌ مِنْهُمْ " (?).
وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن أن نفسد طعام الجن وذلك باستخدام الروث والعظام في الاستنجاء، فإفساد طعام الإنس يحرم من باب أولى. فما بالنا أيها الإخوة لا نبالي في هذه المسألة، وما بالنا لا نشكر نعم الله التي أغرقنا بها. لقد تساهل الناس في قضية إفساد الطعام إلى حد التفريط. فلا تحرموا أنفسكم نعم الله بأنفسكم، ولا تقابلوها بالكفر. قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]