آخر، وخوف آخر، كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ، وهم يشاهدونه، فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد.
ومنها أن الله جعله عبرة لمن خالف أمره، وتكبر عن طاعته، وأصرّ على معصيته، كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه، أو عصى أمره، ثم تاب وندم ورجع إلى ربه، فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب، وجعل هذا الأب عبرة لمن أصرّ وأقام على ذنبه، وهذا الأب عبرة إن تاب ورجع إلى ربه، فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة، والآيات الظاهرة.
ومنها أنّه محك امتحن الله به خلقه، ليتبين به خبيثهم من طيبهم، فإنه - سبحانه - خلق النوع الإنساني من الأرض، وفيها السهل والحزن، والطيب والخبيث، فلا بد أن يظهر ما كان في مادتهم، فعن قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ». (?)
فما كان في المادة الأصلية فهو كائن في المخلوق منها، فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره، فلا بدّ إذاً من سبب يظهر ذلك، وكان إبليس محكّاً يميز به الطيب من الخبيث، كما جعل أنبياءه ورسله محكّاً لذلك التمييز، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ