أتم من حراسة السماء، والسماء متعبد الملائكة، ومستقرّ الوحي، وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة، والمعرفة والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو، فلا ينال منه شيئاً إلا خطفة.
وقد مثّل ذلك بمثال حسن، وهو ثلاثة بيوت:
بيت الملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره.
وبيت للعبد فيه كنوز العبد، وذخائره، وجواهره، وليس جواهر الملك وذخائره.
وبيت خال صفر لا شيء فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟
فإن قلت: من البيت الخالي، كان محالاً؛ لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق، ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟
وإن قلت: يسرق من بيت الملك، كان ذلك كالمستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس واليزَك (بالتركية- بمعنى المنع والحظر والزجر) ما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه، وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث، فهو الذي يشنُّ عليه الغارات.
فيلتأمل اللبيب هذا المثال، ولينزله على القلوب، فإنها على منواله.
فقلب خلا من الخير كله، وهو قلب الكافر والمنافق، فذلك بيت الشيطان، قد أحرزه لنفسه واستوطنه، واتخذه سكناً ومستقراً، فأيُّ شيء يسرق منه، وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه؟
وقلب قد امتلأ من جلال الله - عزّ وجلّ - وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وإن أراد سرقة شيء منه، فماذا يسرق؟ وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له منها، إذ هو بشر، وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع.
وقلب فيه توحيد الله تعالى، ومعرفته، ومحبته، والإيمان به، والتصديق بوعده، وفيه شهوات النفس وأخلاقها، ودواعي الهوى والطبع.