فَتَحَ فَاهُ لِيَلْتَقِمَ رَأْسَهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ يَعْرُكُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنَ الْأَرْضِ لِسَجْدَتِهِ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ: إِنِّي أَنَا صَاحِبُكَ الَّذِي كُنْتَ أُخَوِّفُكَ، فَأَتَيْتُكَ مِنْ قِبَلِ الشَّهْوَةِ وَالرَّغْبَةِ وَالْغَضَبِ، وَأَنَا الَّذِي كُنْتُ أَتَمَثَّلُ لَكَ بِالسِّبَاعَ وَالْحَيَّةِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ لَكَ شَيْئًا، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أُصَادِقَكَ، وَلَا أَرَاكَ فِي صَلَاتِكَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ لَهُ: لَا يَوْمَ خَوَّفْتَنِي بِحَمْدِ اللهِ خِفْتُكَ، وَلَا الْيَوْمَ فِي حَاجَةٍ مِنْ فَضْلِهِ. قَالَ: أَلَا تَسْأَلُنِي عَمَّا شِئْتَ أُخْبِرْكَ. قَالَ: مَا عَسَيْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: أَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ مَالِكَ مَا فَعَلَ بَعْدَكَ؟ قَالَ: لَوْ أَرَدْتُ ذَلِكَ مَا فَارَقْتُهُ. قَالَ: أَفَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَهْلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَنَا مُتُّ قَبْلَهُمْ. قَالَ: أَفَلَا تَسْأَلُنِي عَمَّا أُضِلُّ بِهِ بَنِي آدَمَ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبِرْنِي، مَا أَوْثَقُ مَا فِي نَفْسِكَ أَنْ تُضِلَّهُمْ بِهِ؟ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَخْلَاقٍ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِشَيْءٍ مِنْهَا غَلَبْنَاهُ: بِالشُّحِّ وَالْحِدَّةِ وَالسُّكْرِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ شَحِيحًا قَلَّلْنَا مَالَهُ فِي عَيْنِهِ، وَرَغَّبْنَاهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، وَإِذَا صَارَ حَدِيدًا تَزَاوَرْنَاهُ كَمَا يَتَزَاوَرُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ، وَلَوْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِدَعْوَتِهَ لَمْ نَيْأَسْ مِنْهُ، فَإِنَّ مَا يَبْنِي يَهْدِمُهُ لَنَا بِكَلِمَةٍ، وَإِذَا سَكِرَ اقْتَدْنَاهُ إِلَى كُلِّ شَهْوَةٍ كَمَا يُقْتَادُ مَنْ أَخَذَ الْعَنْزَ بِأُذُنِهَا حَيْثُ شَاءَ " (?)
وعن سَالِمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ رَأَى فِيهَا شَيْخًا لَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ لأُصِيبَ قُلُوبَ أَصْحَابِكَ فَتَكُونَ قُلُوبُهُمْ مَعِي، وَأَبْدَانُهُمْ مَعَكَ.
قَالَ نُوحٌ: اخْرُجْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ.
فَقَالَ: خَمْسٌ أُهْلِكُ بِهِنَّ النَّاسَ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِنْهُنَّ بِثَلاثٍ، وَلا أُحَدِّثُكَ بِاثْنَتَيْنِ، فَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ لا حَاجَةَ بِكَ إِلَى الثَّلاثِ، مُرْهُ يُحَدِّثُكَ بِالاثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ بِهِمَا أَهْلَكَ النَّاسَ فَقَالَ هُمَا: الْحَسَدُ، وَبِالْحَسَدِ لُعِنْتُ، وَجُعِلْتُ شَيْطَانًا رَجِيمًا، وَالْحِرْصُ أَبَاحَ لآدَمَ الْجَنَّةَ كُلَّهَا فَأَصَبْتُ حَاجَتِي مِنْهُ بِالْحِرْصِ.