وطرد الله الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره، وحصل على وعد من الله بإبقائه حيّاً إلى يوم القيامة: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)} [الأعراف: 14، 15]
لقد اسْتَدْرَكَ إِبْلِيسُ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُمْهِلَهُ وَلاَ يُمِيتَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليَوْمَ الذِي سَيَبْعَثُ فِيهِ اللهُ الخَلائِقَ لِلْحِسَابِ. وَقَدْ أَرَادَ إِبْلِيسُ بِذَلِكَ أَنْ يَجِدَ فُسْحَةً مِنَ الوَقْتِ لإِغْوَاءِ بَنِي آدَمَ وَإِضْلاَلِهِمْ. فَأَجَابَهُ اللهُ تَعَالَى إلَى سُؤَالِهِ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا إِرَادَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ التِي لاَ تُخَالَفُ وَلا تُعَارَضُ. وَقَدْ أَنْظَرَهُ اللهُ إلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى. (?)
وقد قطع اللعين على نفسه عهداً بإضلال بني آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} [الأعراف: 16 - 18].
لَمَّا اسْتَوثَقَ إِبْلِيسُ مِنْ وَعْدِ اللهِ لَهُ بِإِبْقَائِهِ إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، أَخَذَ فِي المُعَانَدَةِ وَالتَّمَرُّدِ فَقَالَ لِرَبِّهِ: كَمَا أَغْوَيْتَنِي (فَبِمَا أَغْوَيتَنِي) وَأَضْلَلْتَنِي وَأَهْلَكْتَنِي فَإِنَّنِي سَأُحَاوِلُ فِتْنَةَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وَسَأَعْتَرِضُ سَبِيلَهُمْ مُحَاوِلاً إِبْعَادَهُمْ عَنْ طَرِيقِ اللهِ المُسْتَقِيمِ، طَرِيقِ الحَقِّ وَالهُدَى، بِأَنْ أُزَيِّنَ لَهُمْ طُرُقاً أُخْرى حَتَّى يَضِلُّوا. ثُمَّ سَأُحَأوِلُ تَشْكِيكَهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) وَأُرَغِّبُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ (مِنْ خَلْفِهِمْ)، وَسَأُشَبِّهُ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ (عَنْ أَيْمَانِهِمْ)، وَسَأُزَيِّنَ لَهُم المَعَاصِيَ، وَأُحَسِّنُها لَهُمْ (عَنْ شَمَائِلِهِمْ) وَسَأَفْتِنُهُمْ، مَا اسْتَطَعْتُ، حَتَّى لاَ تَجِدَ يَا رَبِّ بَيْنَ بَنِي آدَمَ كَثيراً مِنَ المُطِيعِينَ الشَّاكِرِينَ لأَنْعُمِكَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ أَكَّدَ اللهُ تَعَالَى لَعْنَتَهُ عَلَى إِبْلِيسَ وَطَرْدَهُ لَهُ، وَإِبْعَادَهُ عَنِ المَلأِ الأَعْلَى، وَهُوَ مَقِيتٌ مَعِيبٌ (مَذْؤُومٌ) مُقْصىً مُبْعَدٌ، وَقَالَ لَهُ مُهَدِّداً: إِنَّهُ وَمَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ جَهَنَّمَ، وَسَيَمْلَؤُهَا مِنْهُمْ جَمِيعاً. (?)