الوجود، وأن يطلق وجدانهم من التعلق بما يريده أولا يريده الشياطين! وأن يمضوا في طريقهم يبنون الحق في واقع الخلق، بعد بنائه في قلوبهم هم وفي حياتهم. أما عداوة الشياطين، وكيد الشياطين، فليدعوهما للمشيئة المحيطة والقدر النافذ. «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ. فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ» ... (?)

فالعداء بين الإنسان والشيطان عداء بعيد الجذور، يعود تاريخه إلى اليوم الذي صور الله فيه آدم، قبل أن ينفخ فيه الروح، فأخذ الشيطان يطيف به، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ» (?)

فلما نفخ الله في آدم الروح، وأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكان إبليس يتعبد الله مع ملائكة السماء، فشمله الأمر، ولكنه تعاظم في نفسه واستكبر، وأبى السجود لآدم: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].

لقد سَأَلَ اللهُ تَعَالَى إِبْلِيسَ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ بِالسُّجُودِ؟ فَرَدَّ عَلَى خَالِقِهِ قَائِلاً: إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ، لأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، وَآدَمُ مَخْلُوقٌ مِنْ طِينٍ، وَالنَّارُ أَفْضَلُ مِنَ الطِّينِ فِي رَأْيِ إِبْلِيسَ، لِذَلِكَ لَمْ يَسْجُدْ لآدَمَ، وَالأَفْضَلُ لاَ يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ. (?)

لقد فتح أبونا آدم عينيه، فإذا به يجد أعظم تكريم، يجد الملائكة ساجدين له، ولكنّه يجد عدواً رهيباً يتهدده وذريته بالهلاك والإضلال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015