أعدائه كما يبتلي أعداءه بهذا القدر من الاختيار والقدرة الذي أعطاهم إياه. فما يملك هؤلاء أن يوقعوا بأولياء اللّه من الأذى إلا ما قدره اللّه: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ» ..
فما الذي يخلص لنا من هذه التقريرات؟
يخلص لنا ابتداء: أن الذين يقفون بالعداوة لكل نبي ويقفون بالأذى لأتباع الأنبياء .. هم «شياطين»!.
شياطين من الإنس ومن الجن .. وأنهم يؤدون جميعا - شياطين الإنس والجن - وظيفة واحدة! وأن بعضهم يخدع بعضا ويضله كذلك مع قيامهم جميعا بوظيفة التمرد والغواية وعداء أولياء اللّه ..
ويخلص لنا ثانيا: أن هؤلاء الشياطين لا يفعلون شيئا من هذا كله، ولا يقدرون على شيء من عداء الأنبياء وإيذاء أتباعهم بقدرة ذاتية فيهم. إنما هم في قبضة اللّه. وهو يبتلي بهم أولياءه لأمر يريده. من تمحيص هؤلاء الأولياء، وتطهير قلوبهم، وامتحان صبرهم على الحق الذي هم عليه أمناء. فإذا اجتازوا الامتحان بقوة كف اللّه عنهم الابتلاء. وكف عنهم هؤلاء الأعداء. وعجز هؤلاء الأعداء أن يمدوا إليهم أيديهم بالأذى وراء ما قدر اللّه. وآب أعداء اللّه بالضعف والخذلان وبأوزارهم كاملة يحملونها على ظهورهم: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ» ..
ويخلص لنا ثالثا: أن حكمة اللّه الخالصة هي التي اقتضت أن يترك لشياطين الإنس والجن أن يتشيطنوا - فهو إنما يبتليهم في القدر الذي تركه لهم من الاختيار والقدرة - وأن يدعهم يؤذون أولياءه فترة من الزمان - فهو إنما يبتلي أولياءه كذلك لينظروا: أيصبرون؟ أيثبتون على ما معهم من الحق بينما الباطل ينتفش عليهم ويستطيل؟ أيخلصون من حظ أنفسهم في أنفسهم ويبيعونها بيعة واحدة للّه، على السراء وعلى الضراء سواء.
وفي المنشط والمكره سواء؟ وإلا فقد كان اللّه قادرا على ألا يكون شيء من هذا الذي كان! ويخلص لنا رابعا: هو أن الشياطين من الإنس والجن، وهو أن كيدهم وأذاهم. فما يستطيلون بقوة ذاتية لهم وما يملكون أن يتجاوزوا ما أذن اللّه به على أيديهم .. والمؤمن الذي يعلم أن ربه هو الذي يقدر، وهو الذي يأذن، خليق أن يستهين بأعدائه من