يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} [الأحزاب: 39].

وأخذ الشيخ في الكلام مع الخان الأعظم، وارتفع صوته، ووعظه وشدد عليه، واقترب منه وجثا على ركبتيه، وكان مما قاله للملك: "أنت تزعم أنك مسلم، ومعك قاضٍ وإمام وشيخ ومأذون -على ما بلغنا- فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين، وما عملا الذي عملت، عاهدا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيت وجرت .. ".

وقد أنزل الله المحبة والهيبة للشيخ في قلب الخان قازان، وأعجب به أيما إعجاب، وسأل عن الشيخ، ولما عرف أن موطنه حران، عرض عليه أن يعمرها وأن يعتني بها، وأن ينقله أميرًا عليها، فبادر شيخ الإسلام إلى القول: "لا والله، لا أرغب عن مهاجر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وأستبدل به غيره .. ".

وصدق الله القائل: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص: 83].

وقد خرج من عنده معززًا مكرمًا، قد حقن الله به دماء المسلمين، وكبت به قلوب الحاسدين (?).

ولكن التتار ما زالوا على أبواب دمشق المحروسة، وقد أسلمت قيادها لهم، وخطب لقازان على منابر الفيحاء نحوًا من مائة يوم (?)، والمرجفون في المدينة لم ينتهوا عن نشر الفتنة والأراجيف بين الناس، وماجت الإشاعات أن التتار يوشكون على الهجوم، فزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وكثرت الظنون، وزلزل الناس هنالك زلزالًا شديدًا.

وفي تلك الأيام المعصية التي يضن كل شجاع فيها بنفسه، خرج شيخ الإسلام إلى معسكر التتار خارج دمشق، وكلم أحد أمراء التتار، واستنقذ مه عددًا كثيرًا من المسلمين (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015