وأما جهاده للتتار فهو الحلقة الأكثر بروزًا في صفحات جهاده المديدة، ولقد ظلت مأساة سقوط بغداد عام (656 هـ) على أيدي التتار صدمة عنيفة محفورة في ذاكرة كثير من المسلمين، ومع كسر شوكة التتار في موقعة عين جالوت سنة (658 هـ)، وانحسار موج التتار العاتي، إلا إن بعض فلولهم استطاعت من جديد أن توحد صفوفها، وبدأت بمحاولة لإعادة سلطان التتار الهمجي الذي يقوم على سفك الدماء، وإزهاق الأنفس، والسعي في إزالة دين الإسلام، بالتعاون مع أعداء المسلمين من يهود ونصارى وروافض ونصيريين.

وقد قام التتار في أواخر القرن السابع الهجري وأوائل القرن الثامن الهجري بعدة حملات على بلاد الشام -مع إسلام بعض أسلافهم، وادعائهم أنهم مسلمون- وروعوا الآمنين، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء، وكانت وقعة قازان (ملك التتر) سنة (699 هـ) هزيمة مروعة للمسلمين.

وفي خضم هذه الأحداث العظام، والأمور الجسام كان شيخ الإسلام بلا منازع قائد الأمة في الملمات، ومرشدها إذا اشتدت الأزمات، ولم يكن شيخ الإسلام ليهن أو يحزن وهو يعلم أن المؤمنين هم الأعلون دومًا، حتى وإن وقعت الهزيمة، وتمزفت الجموع.

فها هو يخرج في جماعة من العلماء والأعيان إلى قازان المنتصر لتلقيه، ويكون هو المتكلم الرسمي للوفد، والمفاوض باسمه، وشيخ الإسلام كشأن العلماء الربانيين في كل زمان ومكان لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو وأمثاله رحمهم الله المعنيون بقول الحق في محكم الترتيل: {الَّذِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015