عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: في الرجلين اللذين أوتي أحدهما علمًا ومالًا، فهو ينفقه في طاعة الله، ورجل أوتي علمًا ولم يؤت مالًا، فقال: لو أن لي مثل مال فلان، لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالًا، ولم يؤته علمًا، فهو ينفقه في معصية الله، ورجل لم يؤته الله علمًا ولا مالًا، فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثلما يعمل فلان، فهما في الوزر سواء" (?).
والفصل في ذلك أن يقال: فرق بين الهم والإرادة، فالهم قد لا يقترن به شيء من الأعمال الظاهرة، فهذا لا عقوبة فيه بحال، بل إن تركه لله كما ترك يوسف همه، أثيب على ذلك، كما أثيب يوسف - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال أحمد: (الهم همان: همّ خطرات، وهمّ إصرار).
ولهذا كان الَّذي دل عليه القرآن، أن يوسف لم يكن له في هذه القصة (?) ذنب أصلًا، بل صرف الله عنه السوء والفحشاء، إنه من عباده المخلصين، مع ما حصل من المراودة، والكذب، والاستعانة عليه بالنسوة، وحبسه، وغير ذلك من الأسباب التي لا يكاد بشر يصبر معها عن الفاحشة، ولكن يوسف اتقى الله وصبر، فأصابه (?) الله برحمته في الدنيا، {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)} [يوسف: 57]
وأما الإرادة الجازمة، فلا بد أن يقترن بها مع القدرة فعل المقدور، ولو بنظرة، أو حركة رأس، أو لفظة، أو خطرة، أو تحريك بدن، وبهذا يظهر معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" (?)، فإن المقتول أراد قتل صاحبه، فعمل ما يقدر عليه من القتال، وعجز عن حصول المراد، وكذلك الَّذي قال: لو أن لي مثلما لفلان، لعملت فيه مثل