ولم يكتف شيخ الإسلام بشيوخ عصره، بل أخذ عن الشيوخ المتقدمين، والعلماء السالفين، الذين لم يدركهم، فطالع مصنفاتهم، واستظهر مؤلفاتهم.

ويبدو للناظر أن سرَّ عظمة شيخ الإسلام وبلوغه في العلم والمكانة شأوًا لا يكاد يلحق فيه، ليس بسبب شيوخه ومعلميه، بقدر ما هو نبوغه وذكاؤه المفرطين اللذين كان يرعاهما توفيق الله عزّ وجلّ وعنايته.

وقد أعطى الله هذا الإمام ذاكرة قد بلغت في الحفظ والقوة والإتقان غاية لم يكد يصل إليها أحد من الناس -إلا قليلًا- وزاد من ذلك حرص عجيب على التحصيل، وصرف الوقت والجهد في الطلب، ومتى اجتمع هذان الأمران في شخص كان من أكابر العلماء البارزين.

يقول الإمام الذهبي رحمه الله: "وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث .. " (?).

وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث .. " (?).

ويقول عه تلميذه الحافظ البزار رحمه الله: "وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان .. " (?).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله بعد أن ساق عبارة قريبة من عبارة الحفاظ البزار: "حتى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئًا فينساه .. " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015