الحاج: "لبيك اللهم لبيك إلى آخرها" تمثل له الحج ومقاصده وروحه وتاقت فيه الأشواق والتهبت شعلة التوحيد في عروقه ودمه، واتصل بخليل الله وابنه إسماعيل وبمحمد حبيبه والداعين بدعوتهم فكان من حزبهم، اللهم اجعلنا منهم آمين.
وفي وقوفه بعرفة هو وإخوانه على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وألوانهم في صعيد واحد وزي واحد ووقت واحد، لا فرق بين رئيس ومرؤوس وصغير وكبير وغني وفقير يهتفون كلهم في لغة واحدة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، ويتضرعون إلى الله بقلوب ملئت بالخشية وأيد امتدت ضارعة بالدعاء، وألسنة تلهج بالثناء على الله بما هو أهله إشعارٌ بالمساواة وفيه يظهر أيضاً معنى الأخوة الشاملة التي يحرص الإِسلام على غرسها في نفوس أتباعه. وفي هذا الوقوف وفي هذا الضجيج من الدعاء والذكر والاستغفار والتوبة والتلبية ما يعيد الحياة إلى القلوب الميتة، ويحرك الهمم الفاترة وينبه النفوس الخامدة، ويشعل شرارة الحب والطموح التي انطفأت أو كادت تنطفىء، ويجلب رحمة الله تعالى، ويكفر الخطايا، فإن الهمم إذا اجتمعت بهذه الكيفية لا يتخلف عنها نزول الرحمة والمغفرة، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما رُئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة" وما ذاك إلا بما يُرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام وهذا هو أصل تكفير الذنوب وتطهير القلوب، وهو السر في أن الحج المبرور يرجع صاحبه كيوم ولدته أمه، وفي وقوف عرفة يرى الفقير الضعيف ذل الغني القوي أمام ربه يتضرع إليه ويسأله قضاء حاجته، كما يسأله الفقير. فيحس في هذه الحالة معنى المساواة يتحقق، فهو والغني والقوي عبيد الله المحتاجون إليه، الفقراء إلى رحمته،