وذكر المصنف هنا من بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وبدأ بـ النجاشي.
وقبل أن نشرع في هذا نقول: هذا الطور يسمى الطور الجديد في الدعوة إلى الله، وهذا الطور وقع بعد صلح الحديبية، فقد كان القرشيون يمثلون الوثنية في جزيرة العرب، وكان اليهود يمثلون اليهودية، وكانت القوى الثلاثة التي تحارب الإسلام ثلاث: اليهود وقريش وغطفان، فلما صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً في صلح الحديبية انكسرت شوكت الوثنيين، فتفرغ صلى الله عليه وسلم للدعوة عموماً، والله يقول عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ:28]، وفي الحديث: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)، فكان هذا كله يتطلب طوراً جديداً ومرحلة دعوية، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بهذا الطور أولاً، مع الحاجة إليه، ولكن المسلم العاقل لا يقيم الإسلام في غيره حتى يقيمه في نفسه، فلما أقام صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام وتخلص من خصومه القريبين، تفرغ للدعوة إلى الله جل وعلا، والعاقل لا يستعدي الناس عليه في يوم واحد، ولا يجعل جبهات متعددة تحاربه؛ لأن هذا أدعى لأن يخسر ويفشل، فالعاقل يؤمن بالمرحلية في حياته، ويؤمن بالواقع الذي يعيشه، فهو عليه الصلاة والسلام لم يخاطب كسرى ولا قيصر ولا أقيال اليمن ولا غيرهم حتى كسر شوكة قريش بصلح الحديبية على أن يمكث الناس عشر سنين ليس بينهم حرب، فلما توقفت الحرب كان هذا هو الفتح العظيم الذي بشر الله به نبيه يوم منصرفه من الحديبية فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]، فكان ذلك سبباً في أن يتهيأ صلى الله عليه وسلم ليخاطب الآخرين غير جماعته وعشيرته الأقربين الذين أمر بأن يبدأ بهم أولاً، وهم قريش الذي هو منهم صلوات الله وسلامه عليه.
وقد دعا عليه الصلاة والسلام بالسنان ودعا باللسان، واتخذ الأسباب المشروعة في الدعوة التي توافق عصره آنذاك.