ذكر فتح مكة

ثم بعد خيبر كان فتح مكة في العام الثامن من الهجرة، فخرج عليه الصلاة والسلام -لأنه استنصر به عمرو بن سالم - حتى أتى مكة وأناخ بجوارها، وفي تلك الفترة أسلم بعض القرشيين وعلى رأسهم أبو سفيان بن حرب، وكان أبو سفيان رجلاً يحب الفخر، والعباس كان الوسيط بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين أبي سفيان، وكان العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام يدل على رسول الله، فقال: يا نبي الله! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فقال عليه الصلاة والسلام: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن)، فدخل صلى الله عليه وسلم مكة وقد أخرج منها قبل ثمان سنوات والمغفر على رأسه، ثم قيل له وهو ينزع المغفر: إن فلاناً -أحد خصومه- متعلق بأستار الكعبة.

فقال عليه الصلاة والسلام: (اقتلوه)، وهذا قد كان منه كثير الأذى لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ثم طاف صلى الله عليه وسلم بالبيت ومعه المحجن وهو يشير إلى الأصنام ويقرأ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، والذي يعنينا هنا أنه عليه الصلاة والسلام كان مطأطئاً رأسه، معظماً لربه، يعرف فضل الله جل وعلا عليه، ولم يكن يخرج منه عليه الصلاة والسلام مثقال ذرة من أمارات الكبر ولا علاماته؛ لأنه يعرف أن الله هو الذي مكنه وأظهره على عدوه، ولذلك كان يقول دائماً: (لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، وطاف بالبيت، ثم أمر بالأصنام أن تخرج من البيت، فكان من الأصنام التي أخرجت صورة لإبراهيم عليه السلام، وهي رسم لإبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، والأزلام أعواد كان القرشيون يستقسمون بها، في أحدها (نعم) وفي الآخر (لا) والثالث لا شي فيه، فإذا خرجوا أو سافروا أو أرادوا أمراً أتوا بهذه الأزلام يستقسمون بها، فالقرشيون لكي يثبتوا مذهبهم رسموا صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فلما نظر فيها صلى الله عليه وسلم قال: (قاتلهم الله، لقد علموا أن شيخنا ما استقسم بها قط)، ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نعت أحداً من الأنبياء بأنه شيخه إلا إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، وقد كان أباً لنبينا عليه الصلاة والسلام.

ثم دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وكبر في نواحيها وصلى ركعتين، وهو خارج آخذ بعتبتي الباب أنزل الله جل وعلا عليه قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، فأعطى مفاتيح الكعبة لبني شيبة وقال: (خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015