ثم قال: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق في مكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث سنين، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمانِ عشرة، وتوفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع، ثم ذكر أشياء أخرى عنها.
عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها هي أم المؤمنين كأخواتها، وقد تزوجها هنا قال: قبل الهجرة، وهذا بمعنى العقد، والأظهر عند العلماء أن النبي عقد على سودة وعقد على عائشة في وقت واحد، أي: في أيام متقاربة، فدخل على سودة قبل الهجرة، ولم يدخل على عائشة إلا بعد الهجرة.
ومن مناقبها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها، وكان أحب نسائه إليه، وهذه مسألة قلبية لا يجب فيها العدل، وكانت عليه الصلاة والسلام يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) أي: في المسألة القلبية، وكن نساء الأنصار وأصحابه إذا أردن أن يهدين النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً من الهدايا أو من العطايا يتحين الليلة التي يكون فيها صلى الله عليه وسلم عند عائشة، ولما مرض عليه الصلاة والسلام وغلبته الحمى وأصبح يمرَّض في بيوت أزواجه كان يقول: (أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)، حتى فهمن أنه يريد بيت عائشة، فبقي صلى الله عليه وسلم يمرض في بيت عائشة، وأسندت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدرها في اللحظات الأخيرة، وطيبت له السواك بفمها، فاجتمع ريقه مع ريقها صلوات الله وسلامه عليه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم.
فهذا كله يبين منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ابنة أحب وأقرب الناس إليه أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهي الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ولما مات عليه الصلاة والسلام كان سنها إذ ذاك ثمانِ عشرة سنة، وعمِّرت بعده حتى ماتت سنة ثمانِ وخمسين على الأشهر، ودفنت بالبقيع -أي: بقيع الغرقد-، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وفي غزوة بني المصطلق -غزوة المريسيع- اتهمت بحديث الإفك المشهور، فبرأها الله جل وعلا من فوق سبع سماوات، فقد رماها المنافقون بـ صفوان بن معطل، فبرأ الله صفوان وبرأ الصديقة بنت الصديق بعد شهر من انقطاع الوحي عنه صلوات الله وسلامه عليه، وكانت عالمة جداً بالشرع، وهي من المكثرين رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.