والرسالة والنبوة لا تنال بالسعي ولا بالكد ولا بالعمل ولا بطلب علم، وإنما هي هبة من الله، يقول الله جل شأنه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فالله تبارك وتعالى اصطفى هؤلاء الرسل من بين خلقه أجمعين ومنحهم النبوة وأعطاهم الرسالة، فكانوا أئمة هدى ومصابيح دجى، نشر الله بهم دينه على مر العصور وكر الدهور؛ حجة من الله تبارك وتعالى على خلقه، كما قال الله تبارك وتعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165].
والمقصود من هذا كله إخلاص النية والسعي بقدر الإمكان في فهم سيرته العطرة وأيامه النضرة صلوات الله وسلامه عليه قبل أن نشرع تفصيلاً في ذكرها.
وصاحب هذا المتن قال في أوله: إنه موجز ومختصر، وإن المراد به الإلمام الشامل بسيرته عليه الصلاة والسلام، وسنحاول أن نعرج بقدر الإمكان على ما أطلق منها؛ لأن بعض النصوص في المتن -كما هو معلوم- لا يكاد يجهلها أحد، وإنما سنقف على ما يغلب على الظن أنه يحتاج إلى أن يقف الإنسان معه ويبينه لغيره، والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم صلاح النية وإخلاص القصد، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه يبتغى بها رضاه ويتقى بها سخطه؛ إنه سميع مجيب.