الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهج بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا بحمد الله وتوفيقه وعونه أول دروسنا العلمية في التعليق على الدرة المضيئة في السيرة النبوية للعلامة عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله تعالى.
وإن من التأدب مع أهل التصنيف أن يذكر ما لهم من فضل وما قدموه لدين الله جل وعلا من عمل نافع، وصاحب هذا التصنيف هو أحد أئمة المسلمين الذين عاشوا في القرن السادس الهجري، وكان ذا ورع وعبادة، وهو ممن اشتغل بطلب العلم وتعليمه، وممن عرف عنهم كثرة التعبد والتماس الأثر، وكان فقيهاً حنبلياً رحمه الله تعالى، ومما يذكر عنه في وفاته أنه -رحمه الله- أصابه المرض، حتى إنه لم يقدر على الذهاب إلى المسجد، فلما اشتد عليه المرض دخل عليه أحد أبنائه، فقال له: يا أبتاه! ما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة.
ثم إنه صلى الفجر، فقال له ابنه: يا أبتاه! هاهنا دواء؟ قال: يا بني! لم يبق إلا الموت شاعراً بدنو الأجل.
ثم قال له ابنه يكرر
Q ماذا تشتهي؟ قال: أشتهي أن أنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
فدخل عليه جماعة من أصحابه يعودونه، فلما سلموا عليه رد عليهم بصوت ضعيف، ثم أخذوا يتحدثون فيما بينهم، فكان العجب أنه -وهو المريض الذي يعاد- قال لهم: قولوا لا إله إلا الله، اذكروا الله، ففيم تخوضون؟ فلما قاموا عنه أخذ يردد (لا إله إلا الله) ويحرك بها شفتيه، حتى فاضت روحه وانتقل إلى جوار ربه.