إن الغلو مذموم أياً كان مصدره، عواقبه وخيمة، لا ينتج عنه إلا تجاوز النصوص الشرعية، وإراقة الدماء البريئة؛ ومن صور تلك المأساة: سجن وتعذيب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -، فبقي في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهراً، وضرب بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً (?)، ومات خلق في السجون والقيود والأغلال في أيديهم، لرفضهم القول بخلق القرآن؛ ومنهم: الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي (?)، صاحب الإمام الشافعي، وأحمد بن نصر الخزاعي (?) (?).
وإن من أبرز صفات أهل البدع المتقابلة استحلال السيف، أي الخروج على الجماعة، أو الأئمة بالسيف، واستحلال ذلك يكون بالفعل والاعتقاد كما عند الخوارج، أو بالاعتقاد كما عند المعتزلة والرافضة وغيرهم، حيث يعتقدون استباحة الخروج، لكنهم قد لا يتمكنون، إما لعدم القدرة، أو لانتظار رجل موهوم كما يعتقد الرافضة. أخرج اللالكائي بسنده عن أبي قلابة قال: " ما ابتدع قوم بدعة إلاً استحلوا السيف" (?).
لذلك كان بعض السلف يسمي كل أصحاب الأهواء خوارج، أي أن سمتهم الخروج؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة، وأما أهل الأهواء، كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم، ويجعل المعتزلة أصول دينهم خمسة: التوحيد ... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي منه قتال الأئمة" (?).