تكلف المبتدعة تقديس العقل، فردوا به نصوص الوحي، زاعمين كفاية العقل في إدراك الفرق بين الحسن والقبيح، وبهذا يكون ضلالهم في موقفهم من النصوص الشرعية مضاعفاً، حيث تركوا دلالات تلك النصوص واعتمدوا على شبهات عقلية زعموا أنه لا يمكن اعتبار دلالات النصوص الشرعية معها (?).

يقول ابن قتيبة - رحمه الله - (?) عنهم: " ولما اطرد لهم القول على ما أصلوه، ورأوه حسن الظاهر قريباً من النفوس، يروق السامعين ويستميل قلوب الغافلين، نظروا في كتاب الله فوجدوه ينقض ما قاسوا، ويبطل ما أسسوا، فطلبوا له التأويلات المستكرهة، والمخارج البعيدة، وجعلوه عويصاً وألغازاً، وإن كانوا لم يقدروا من تلك الحيل على ما يصح في النظر ولا في اللغة" (?).

فالأساس إذاً في مخالفة تلك الفرق للنصوص الشرعية إنما يرجع إلى شبهات عقلية سلموا بها قبل النظر في دلالات النصوص الشرعية، ثم نظروا إلى النصوص الشرعية بعد ذلك وفسروها بما يوافق تلك الشبهات، وهذا ما لا يُعجز كل مبطل، والذي جلب لهم هذا الخلط والاضطراب والحيرة: أنهم رتبوا إثباتهم لتعلق أفعال العباد بقدرة الرب وقدرة العبد على إدراكهم لكيفية الصلة بين القدرتين، لا على مجرد التسليم بما دلت عليه الضرورة من ثبوتهما (?)،

ومن ثم توهموا أن هناك معارضة بين العقل والنقل ولما كان العقل عندهم مقدساً منزهاً عن الخطأ، نفوا وعطلوا وأولوا ما دل عليه النقل، وركنوا إلى قواعدهم العقلية وأصولهم الفلسفية، وجعلوها عمدة في ردّ ما ورد به الشرع بدعوى معارضته لها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015