الآية الثانية:
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} النساء: 48، هذا الآية أتت في حق من لم يتب (?)؛ لأن التائب من الشرك يغفره له بنصوص القرآن واتفاق المسلمين، فكانت هذه الآية رادة على أصحاب البدع المتقابلة، وبيان ذلك فيما يلي:
في قوله تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ} رد على المرجئة الذين زعموا أنه مغفور لكل مؤمن؛ لأنه دل على أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم؛ وليس لكل أحد (?).
كما أن هذه الآية "ترد على المرجئة الواقفية، الذين يقولون: يجوز أن يعذب كل فاسق فلا يغفر لأحد، ويجوز أن يغفر للجميع، فإنه قد قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، فأثبت أن ما دون ذلك هو مغفور، لكن لمن شاء.
فلو كان لا يغفره لأحد بطل قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}، ولو كان يغفره لكل أحد بطل قوله: {لِمَنْ يَشَاءُ}، فلما أثبت أنه يغفر ما دون ذلك، وأن المغفرة هي لمن يشاء، دل ذلك على وقوع المغفرة العامة مما دون الشرك، لكنها لبعض الناس.
وحينئذ فمن غفر له لم يعذب، ومن لم يغفر له عذب، وهذا مذهب الصحابة والسلف والأئمة، وهو القطع بأن بعض عصاة الأمة يدخل النار، وبعضهم يغفر له" (?).
والكلام على مفهوم المرجئة للكفر فرع عن مفهومهم للإيمان، فلّما عرفوا الإيمان بأنه مجرد المعرفة والتصديق، حصروا الكفر في الجهل والتكذيب ونحوه من الجحود والإنكار والعناد، ومن هنا ضلوا في هذا الباب (?)، فأتت هذه الآية للرد عليهم، وبيان فساد ما ابتدعوه.